الاستدراج
باب التفكير الانعكاسي
27/11/2017:
علمنا في صباح اليوم أنه لن يكون هناك دوام في المدرسة وأن الإضراب العام سيد الموقف، وذلك بسبب حادثة إطلاق النار في القرية في اليوم السابق. الأمر كان مؤسفا جدا، فحوادث إطلاق النار في مجتمعنا العربي في تزايد وتصعيد لم يسبق له مثيل، فمن فترة لأخرى نسمع عن حوادث هنا وهناك، نتألم، نلتزم بالإضرابات، ونستنكر، ولكن الإضرابات لا تسعف في موجهة الأمر، وهو ما يجعلني أتساءل حول جدواها أساسا. ولكن من جهة أخرى، فهل يجب على التلاميذ أن يعودوا لمقاعد الدراسة في اليوم التالي كأن شيئا لم يكن؟ ربما الحل أمثل هو أن يعودوا لمقاعد الدراسة، وأن تكون هناك فعاليات تربوية حول الأمر، باستضافة بعض الوجهاء وأصحاب الاختصاص، يتطرقون للحادثة، يوجهون التلاميذ ويحذرونهم من الانزلاق في هذه المنزلقات، ويجيبون على تساؤلاهم بخصوص: ماذا بعد؟
على كل حال، فقد تساءلت في نفسي إن كان في المدرية من تربطهم علاقة صلة وقرابة مباشرة بالمعتدي والمعتدى عليه، وتمنيت أن يكون الله في عونهم في مواجهة هذه الأيام العصيبة.
4/12/2017:
في أحد الدروس السابقة كانت إحدى الطالبات قد أعلنت لي أنها أصبحت الآن تفهم مواد الرياضيات أفضل بفضلي. كانت مقولتها قد تركت أثرا في نفسي لم أفطن له إلا بعد انتهاء الدرس، ذلك أنني كنت منهمكة خلاله بإنجاح الدرس، وترط انطباع إيجابي لدى المرشد الذي حضر درسي ليقيمه، فشعرت بتأنيب ضمير شديد أني لم أعر ملاحظتها يومها أي اهتمام، فعدت اليوم وتحينت الفرصة المناسبة لمفاتحتها بالأمر. أنصت لها هذه المرة باهتمام، واعتذرت عن عدم الإنصات لها ولمصارحتها لي في ذلك اليوم، وأكدت لها أن الأمر يشعرني بالسعادة والفخر الكبير، وشعرت بعد ذلك بارتياح كبير، فأنا أكره أن أكون خذلت طالبا أو رددته خائبا، وأكره أن لا أكون احترمت عقله ورأيه ووجوده، ولذلك سعدت بأن سنحت لي الفرصة لتصحيح ذلك الزلل وإن كانت له أسبابه.
تحدثت مع الطالبة لفهم ما عنته ملاحظتها بعمق، واتضح لي من المثال الذي أوصلت فكرتها من خلاله، أن قدرتي على تمييز الأخطاء الشائعة واستحضار الأمثلة العكسية المقنعة هو ما جعلها تثق بقدراتي كمعلمة، وسهل لها فهم مضامين الدرس.
11/12/2017:
في هذا اليوم كان لي درس عند أحد الصفوف التاسعة، وكان طلاب الصف من ذوي القدرات المتدنية من حيث التحصيل في الرياضيات، وقد كنت أعي جيدا هذا الأمر، وأتفهم بعض مشاكساتهم وتشويشاتهم النابعة من شعورهم ربما بالضيق والعجز، بل وأتوقعها، وأحاول جاهدة احتواءها، غير أن ما حصل هذه المرة كان أصعب من أن يتم احتواؤه، فقد تعاملت إحدى الطالبات المسيطرات في الصف بطريقة فيها تحدي وقلة احترام لوجودي، ثم لوجود المعلمة المدربة التي تدخلت عندما شاهدت حيرتي في كيفية الرد عليها ووضع حد لتصرفها. الطالبة كانت من المسيطرات في الصف، ولها أثر لا يممكن إنكاره على زميلاتها، وكان يجب أن أكون سريعة البديهة في كيفية ردي عليها بطريقة لا تعطي للموقف أن يستمر ويتدهور إلى ما لا تحمد عقباه، هكذا فكرت ولم أكن قلقة بالنسبة لصورتي أمام هذا الصف، وإنما حول مستقبلي كمعلمة عليها أن تتخيل هذه المواقف، وتتدرب ذهنيا على كيفية التعامل معها، حتى أكون أكثر جهوزية لأداء دور المعلمة والمربية في حياتي المهنية مستقبلا. من الجيد إذا أن تجربتي كشفت أمامي نقطة ضعفي هذه الآن حتى يتسنى لي العمل عليها وتقوية هذا الجانب في أقرب وقت.
18/12/2017:
في هذا اليوم كانت لي أول حصة عند الصف السابع، فلم أكن قد علمتهم من قبل، وطلب إلي بحسب توصيات مركز الموضوع أن أبني اختبارا لهم في مادة الصندوق. استغربت الأمر كثيرا، فكيف سأبني اختبارا لطلاب لم أعلمهم؟ وكيف سألائم الأسئلة لقدراتهم؟ وكيف وكيف؟
لم أكن أريد أن أعترض على بناء الاختبار حتى لا أترك انطباعا سيئا، فعملت بجد وفتشت عن أسئلة تشمل مادة الصندوق من كل جوانبها، وكان اختبارا جيدا بالفعل، ولكن التجربة جعلتني أتفكر في حياة المعلم البتدئ والتحديات التي قد تواجهه في بداية مشواره، ما بين مدرسة جديدة، وطاقم كامل من المعلمين الثابتين وأصحاب الأقدمية، وكيف له أن يشعر أحيانا أنه لا يحق له الاعتراض، وإنما أن يطلب السلامة البحتية. فكرت أن هذه التحديات قد تواجهني، وتفكرت في الأمر، وفي كيف أنه من المهم أن لا يقدم المعلم المبتدئ تنازلات لا يطيقها، حيث أن الأمر قد يؤدي به إلى "الاهتراء" المبكر. على المعلم المبتدئ أن يفهم حقوقه جيدا، وأن يحدد ثوابته التي لا تنازل عنها، كما عليه أن ينكشف عل أكبر كم من السيناريوهات الممكنة لإشكاليات قد تحدث في بداية مسيرته كي يكون مستعدا لمواجهتها بما يضمن له حقوقه، والسلامة البحتية في آن واحد!
15/1/2108:
علمت أحد الصفوف التاسعة، وكان أحد الطلاب من ضعيفي القدرات التحصيلية في الرياضيات قد عاند وشاغب ورفض الاستجابة لأاي من محاولاتي في جذب اهتمامه واستدعائه للتركيز وحل الأسئلة. تعاملت معه بصبر كبير وسعة، فأنا لم أظن أن الموقف كان يحتمل الشدة، ففي نظرة الطالب كان يبدو نوع من الانكسار، ولم أكن أريد أن أخسره. ولكن المعلمة التي كانت تجلس في الخلف وكانت ضاقت ذرعا بتصرفه وعناده كانت أقل صبرا، فعنفته، وتزتمن الأمر مع نهاية الدرس فخرج من الغرفة مسرعا. لم تسنح لي الفرصة بالتحدث إليه، ومحاولة استقطابه بالرغم من كل ما حدث، وشعرت ببعض الضيق، فأنا كنت أحس نفسي المسؤولة في ذلك الموقف. شاهدت الطالب في فترة الاستراحة في الساحة، فاقتربت منه محاولة جس النبض والتأكد من تقبله للحديث معي، وتحدثنا بالفعل، وعاتبته بلطف على تصرفه، وأخبرته أنه المتضرر الأول من عدم تجاوبه في دروس الرياضيات، وشعرت أنني لامست شيئا بداخله، الأمر الذي جعلني على يقين أكثر أن اللين يجب أن يسبق الشدة في التعامل مع الطلاب، وأن الاحتواء والتفهم يجب أن يكونا سيدي الموقف ما أمكن.
22/1/2018:
كان هذا اليوم الأخير لتطبيق الرياضيات في المدرسة، زكنت أشعر منذ الصباح أنني أقوم بطي صفحة في حياتي، وأنهي فصلا آخر في سيرورتها. للموقف كانت قدسية جعلتني أشعر بأن هذا اليوم يجب أن يتمحور حوله فقط، وربما لهذا السبب قررت أن أترفع عن إساءة من إحدى الزميلات في موقف عابر. هذا الأمر جعلني أتفكر في مدى تأثير المزاج العام للفرد على سلوكه وقدرته على احتواء زلات غيره، وما أحوجنا كمعلمين مستقبليين أن نجعل هذا الأمر أمام أعيننا دائما عند دخولنا لغرف التعليم، فلا تدحل أعباؤنا اليومية معنا بل نتركها خارجا، ولا يضطر الطالب أن بدفع عقوبة عليها!